سورة سبأ - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)}
ما في السموات والأرض كله نعمة من الله، وهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه من أجله، ولما قال: {الحمد لِلَّهِ} ثم وصف ذاته بالإنعام بجميع النعم الدنيوية، كان معناه: أنه المحمود على نعم الدنيا، كما تقول: أحمد أخاك الذي كساك وحملك، تريد: أحمده على كسوته وحملانه. ولما قال: {وَلَهُ الحمد فِي الأخرة} علم أنه المحمود على نعم الآخرة وهو الثواب.
فإن قلت: ما الفرق بين الحمدين؟ قلت: أمّا الحمد في الدنيا فواجب، لأنه على نعمة متفضل بها، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة وهي الثواب. وأمّا الحمد في الآخرة فليس بواجب، لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها، وإنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم: يلتذون به كما يلتذ من به العطاش بالماء البارد {وَهُوَ الحكيم} الذي أحكم أمور الدارين ودبرها بحكمته {الخبير} بكل كائن يكون. ثم ذكرها مما يحيط به علماً {مَا يَلِجُ فِي الأرض} من الغيث كقوله: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض} [الزمر: 21] ومن الكنوز والدفائن والأموات، وجميع ما هي له كفات {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من الشجر والنبات، وماء العيون، والغلة والدواب، وغير ذلك {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق والملائكة وأنواع البركات والمقادير، كما قال تعالى: {وَفِى السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من الملائكة وأعمال العباد {وَهُوَ} مع كثرة نعمه وسبوغ فضله {الرحيم الغفور} للمفرطين في أداء مواجب شكرها.
وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: تنزل، بالنون والتشديد.


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
قولهم: {لاَ تَأْتِينَا الساعة} نفي للبعث وإنكار لمجيء الساعة. أو استبطاء لما قد وعدوه من قيامها على سبيل الهزء والسخرية، كقولهم: {متى هذا الوعد} [يونس: 48]، [الأنبياء: 38]. أوجب ما بعد النفي ببلى على المعنى: أن ليس الأمر إلا إتيانها، ثم أعيد إيجابه مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد، وهو التوكيد باليمين بالله عزّ وجلّ، ثم أمد التوكيد القسمي إمداداً بما أتبع المقسم به من الوصف بما وصف به، إلى قوله: {لِّيَجْزِىَ} لأنّ عظمة حال المقسم به تؤذن بقوّة حال المقسم عليه وشدّة ثباته واستقامته، لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر، وكلما كان المستشهد به أعلى كعباً وأبين فضلاً وأرفع منزلة، كانت الشهادة أقوى وآكد، والمستشهد عليه أثبت وأرسخ.
فإن قلت: هل للوصف الذي وصف به المقسم به وجه اختصاص بهذا المعنى؟ قلت: نعم وذلك أن قيام الساعة من مشاهير الغيوب، وأدخلها في الخفية، وأوّلها مسارعة إلى القلب: إذا قيل: عالم الغيب، فحين أقسم باسمه على إثبات قيام الساعة، وأنه كائن لا محالة، ثم وصف بما يرجع إلى علم الغيب، وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات، واندرج تحته إحاطته بوقت قيام الساعة، فجاء ما تطلبه من وجه الاختصاص مجيئاً واضحاً.
فإن قلت: الناس قد أنكروا إتيان الساعة وجحدوه، فهب أنه حلف لهم بأغلظ الأيمان وأقسم عليهم جهد القسم، فيمين من هو في معتقدهم مفتر على الله كذباً كيف تكون مصححة لما أنكروه؟ قلت: هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها الحجة القاطعة البينة الساطعة وهي قوله: {لِّيَجْزِىَ} فقد وضع الله في العقول وركب في الغرائز وجوب الجزاء، وأن المحسن لابد له من ثواب، والمسيء لابد له من عقاب. وقوله: {لِّيَجْزِىَ} متصل بقوله {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} تعليلاً له. قرئ: {لتأتينكم} بالتاء والياء. ووجه من قرأ بالياء: أن يكون ضميره للساعة بمعنى اليوم. أو يسند إلى عالم الغيب، أي ليأتينكم أمره كما قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ} [الأنعام: 158] وقال: {أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبّكَ} [النحل: 33]. وقرئ: {عالم الغيب} و {علام الغيب}: بالجرّ، صفة لربي. وعالم الغيب، وعالم الغيوب: بالرفع، على المدح. ولا يعزب: بالضم والكسر في الزاي، من العزوب وهو البعد. يقال: روض عزيب: بعيد من الناس {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} مقدار أصغر نملة {ذلك} إشارة إلى مثقال ذرّة. وقرئ: {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر}. بالرفع على أصل الابتداء. وبالفتح على نفي الجنس، كقولك: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، بالرفع والنصب. وهو كلام منقطع عما قبله.
فإن قلت: هل يصحّ عطف المرفوع على مثقال ذرّة، كأنه قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرة وأصغر وأكبر وزيادة، لا لتأكيد النفي. وعطف المفتوح على ذرّة بأنه فتح في موضع الجرّ لامتناع الصرف، كأنه قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرّة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر؟ قلت: يأبى ذلك حرف الاستثناء، إلاّ إذا جعلت الضمير في {عَنْهُ} للغيب. وجعلت {الغيب} اسماً للخفيات. قبل أن تكتب في اللوح لأنّ إثباتها في اللوح من البروز عن الحجاب، على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء، ولا يزل عنه إلاّ مسطوراً في اللوح.


{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)}
وقرئ: {معجزين}. و {أليم}، وبالرفع والجر.
وعن قتادة: الرجز: سوء العذاب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8